أ
المستوى: 7
د.علي صالح الخلاقي
من كتابه الصادر مؤخراً بعنوان:
(الحكيم الفلاح الحميد بن منصور- شخصيته وأقواله)
توطئةمن منا لم يسمع عن الحميد بن منصور, هذا الحكيم الزراعي الذي تجاوزت شهرته الآفاق ودخلت أقواله كل بيت وأصبحت على كل لسان يهزج بها المزارعون بأعذب الألحان عند حرث الأرض وبذرها ويستشهدون بها في كثير من أمور حياتهم وشئونهم اليومية, إذ يعودون إلى مخزون ذاكرتهم منها كلما استدعت الحاجة لذلك, خاصة وأنها تتناول الحياة الزراعية، وبعض القواعد والأعراف الاجتماعية وتصاريف الحياة عامة، وهي تفي بالحاجة عند توجيه نصح أو موعظة أو عبرة وتكون لها قوة الإقناع والتأثير في حل المشاكل بين المتخاصمين أو غير ذلك. وتتصف أقوال الحكيم الحميد بن منصور بالعراقة والحيوية لديمومة استمرارها, وقد أضحت جزءاً أصيلاً من التراث والموروث الشعبي اليمني الذي تتناقله الأجيال منذ زمن بعيد.ومنذ طفولتي المبكرة في يافع (سَرْوْ حِمْيَرْ) وفي بيئة زراعية, حيث الأرض هي المصدر الأساس للرزق ومجال العمل لغالبية السكان, كنت استمتع بمواويل المزارعين وهم يرددون أقوال الحميد بن منصور بألحان بديعة ومواويل عذبة أثناء قيامهم بحرث الأرض وتسويتها وتهيئتها وبذرها على "الـضِّمْد" المؤلف من ثورين يجران المحراث (السحب). وكنت أردد تلك الأقوال بالفطرة دون معرفة كنهها أو إلمام بمعانيها ومضامينها وأبعادها, ولكثرة ما كانت تتردد أقواله في حياة الناس العملية وفي مجالسهم الخاصة كنت أعتقد حينها أن هذا الحكيم أحد أعلام يافع المشاهير , ولا شك أن مثل هذا الاعتقاد قد أنتاب كثيرين مثلي من المناطق المختلفة التي تتردد فيها أقوال هذا الحكيم الزراعي على نطاق واسع, خاصة وأن كثيراً من تلك الأقوال قد جرى مجرى الأمثال في الموروث الشعبي اليمني. أسطورة أم حقيقة؟!الكتابة عن الحكيم الشهير الحميد بن منصور ليس بالأمر السهل, إذ يصطدم الباحث بصعوبات ومشاق جمة لندرة الكتابات التي تناولت شخصيته وأقواله وحِكَمه. فلا نكاد نعرف على وجه التحديد متى عاش وفي أي منطقة, ولذلك يصعب التحقق التاريخي من الزمن الذي عاشه أو مسقط رأسه, وحتى أشعاره أو أقواله أو ما نسب إليه لا تعطي إجابات قاطعة عن ذلك, وهذا الغموض الذي يكتنف مولده ومسقط رأسه ونشأته, أدّى إلى ظهور خلاف حول حقيقة شخصيته وهل كان يمثل شخصية حقيقية أو أسطورية؟. فهناك من يضعه في صف (جُحا) و(أشعب) وغيرهما من الشخصيات التاريخية التي لم تُعرف مواطنها الأصلية, وكما نُسبت كل نادرة مضحكة في الغباء, تارة, وفي الدهاء والذكاء تارة أخرى, إلى (جُحا), وكل نادرة في البخل والجشع إلى (أشعب), كذلك نسب إلى الحميد بن منصور كل شعر في الحكمة والنصيحة والموعظة([1]). وهناك من يرى أن الحميد بن منصور أسطورة شاع ذكرها في أوساط المجتمع اليمني أجمع([2]). بل نجد من ينكر وجود الحكماء أمثال الحميد بن منصور وأبو عامر وعلي بن زايد وحزام الشّبلي وسعد السويني. فالكاتب محمد الغربي عمران يجزم بأن تلك الأسماء لأناس لا وجود لهم, وحجته في ذلك أن معظم تلك الأشعار والأحكام يرددها الناس في مناطق أخرى على أنها من أقوال علي ولد زايد, وآخرون يرددونها على أنها من أقوال الحميد بن منصور..إلى آخر تلك الأسماء, وأن المفردات هي المفردات في ما ينسب إلى كل الشعراء, إضافة إلى أن تلك الأقوال قد أتت في أبيات قليلة.. فلماذا لا تكون تلك الأقوال- كما يقول- للعديد من الناس, وقد أحب أو فضل من يتغنى بما يقول أن يسبقها باسم من تلك الأسماء التي لا يعرف لها مقر أو زمن([3]). ونتفق معه في استنتاجه بأن كثيراً من تلك الأقوال قد نحلها العديد من الناس في أزمنة وأمكنة مختلفة ونسبوها إلى الحميد وغيره من الحكماء, لكن ما ذهب إليه من نفي جازم لوجود هؤلاء الحكماء ليس بمبررٍ كافٍ للقول بأنهم مجرد أسطورة أو مخلوقات وهمية. أما الاتجاه الغالب والأقرب إلى الصواب هو ذلك الذي تلتقي فيه الكثير من الآراء ممن ترى في الحميد بن منصور وعلي بن زايد وأبو عامر شخصيات حقيقية, كما سنبين لاحقاً أثناء حديثنا عن الحميد بن منصور, فضلاً عن كون العرف العلمي والمنهجي المتطور في هذا المجال لم يعد يستبعد وجود شخصيات حقيقية مبدعة وراء كل عناصر التراث الشعبي في أي مجتمع([4]). وفي دراسات الراحل الكبير عبدالله البردوني المتفرقة([5]) يقر بحقيقة وجود علي بن زايد والحميد بن منصور ويصفهما بصوت تأمل الشعب والصورة الناطقة لتجاربه, ويرى أن التاريخ كان رسمياً ولم يهتم بهؤلاء الحكماء. ويقول د.عبدالعزيز المقالح :" على الرغم مما يتردد من الشكوك حول شعراء الأحكام, وما يظهر من مواقف وتساؤلات إزاء الأسماء المعروفة لهم, وهل لهذه الأسماء وجود تاريخي أم أنها أسماء مخترعة يختفي خلفها عشرات من الشعراء المجهولين- أقول أنه على الرغم من ذلك فقد أصبح لهؤلاء الشعراء من الوجود في ذاكرة الشعب أكثر – ربما- مما لكثيرين من الشعراء الذين وجدوا حقيقة, وقد زاد من تأكيد هذا الوجود تقليدية المجتمع اليمني ومحافظته ورفضه للقصائد التي لا تنتمي إلى شاعر معروف إذ يكاد يعاملها معاملة الأطفال اللقطاء, فهي قصائد لا تستحق أن تبقى, لذلك فقد نسبها إلى شعراء وسماهم"([6]). ومن هنا تنبع ضرورة البحث والتدوين لمثل هذا التراث الشعبي المؤثر والمتداول على مدى القرون والأزمان حتى لا يكون عرضة للتلاشي والاندثار والنسيان وبغية مقاربة الحقيقية التاريخية لمبدعيه من الحكماء قدر الإمكان. فمن هو الحميد بن منصور؟ مما لا شك فيه أن الحكيم الشهير الحميد بن منصور كان مزارعاً يمنياً ارتبط بالأرض وبحرثها وتقليب تربتها وزراعتها, وعاش حياته في منطقة ريفية زراعية في شرق اليمن, في زمن انعدم فيه التدوين لحياة بسطاء الناس أو لمناقبهم وأشعارهم, وقد أخذت أشعاره وأقواله تتنقل في حياته شفاهة بين الناس من منطقة إلى أخرى, فأقبل المزارعون على تلقف تلك الأقوال والأشعار لارتباطها الحميم بحياتهم ولما فيها من الحكم والنصائح والعبر التي لا غنى لهم عنها, فحفظوها وتناقلوها ورددوها في أثناء عملهم في حرث الأرض وزراعتها وفي حياتهم اليومية بشكل عام دون حاجة تستدعي منهم ضرورة التحقق من شخصية قائلها وأصله ونسبه, لأن ما يهم الفلاحين هي تلك الأقوال والحكم التي استأثرت على لبهم وعقولهم وعبرت عما يجيش في خواطرهم وصوَّرت أحاسيسهم ولامست مشاعرهم ونقلت تجاربهم في أقوال مسبوكة محكمة اللحن فحفظوها ورددوها. وبمرور الأيام وتعاقب السنين نسجوا على منوالها الكثير من الأقوال التي أبدعها مزارعون كثيرون وبلهجات مناطق مختلفة ونسبوها إلى ما تراكم وانتشر من أقوال الحميد, ومن هنا سِرُّ اختلاف صيغة الأقوال بين منطقة وأخرى, بحيث نجد الحميد في لهجة الكثير من المناطق وكأن لكل منطقه حُمَيْدَهَا الخاص بها. مسقط رأسهلا نعرف بالضبط مسقط رأس الحميد ولا الزمن الذي عاش فيه, ولا تسعفنا المصادر التاريخية في شيء. ولشهرته الواسعة وانتشار حِكَمِهِ وأقواله نجد أن أكثر من منطقة داخل اليمن, بل وحتى خارجها, تدعي أنها مسقط رأسه وموطنه الأصلي الذي عاش فيه.
وهناك شبه إجماع في الروايات الشعبية ومن قبل الباحثين على أن موطنه الأصلي ينحصر في مناطق المشرق, ويظل الاختلاف في تحديد منطقة معينة بذاتها كمسقط لرأسه. عن ذلك يقول الدكتور عبد العزيز المقالح:" بعض الذين كتبوا عن الحميد بن منصور لا يذكرون إلاَّ أنه نشأ في المنطقة الشرقية, والمنطقة الشرقية من البلاد تمتد من عمان إلى عدن"([7]). أما عمر الجاوي فيرى أنه مزارع من شرق مدينة البيضاء كما يبدو من أحكامه ومن التسميات التي أوردها([8]). ويتفق آخرون مع هذا الرأي إذ يرون أنه سكن أسفل منطقة سرُوم بين البيضاء ومنطقة خورة([9]), وهناك من يذكر أن الحميد بن منصور يرجع أساساً إلى أسرة بني هلال وموقع سكناها تحديداً في "مرخة" ناحية من نواحي شبوة حالياً. وقد تنقلت أسرته في المناطق اليمنية وسكنت في كثير من المناطق اليمنية فيما بعد, منها قرية "منكث" ناحية من نواحي يريم, ومنها منطقة تسمى "الهَجَرْ" غربي قرية "المضبي" عند أهل برمان من قبائل آل حميقان, ناحية الزاهر, محافظة البيضاء حالياً([10]). فيما يذكر آخر ون أن موطن الحميد بن منصور هي منطقة "بُور" الواقعة في الوادي الرئيسي بين مدينتي تريم وسيئون في حضرموت وأنه انتقل فيما بعد إلى "رداع" في شمال اليمن من جراء إذلال الأقرباء له([11]). ووفقاً للروايات الشعبية المتداولة فأن الكثير من المناطق التي تنتشر فيها أقوال الحميد على ألسنة الكبار والصغار تدعي كذلك أنها مسقط رأس الحميد بن منصور وموطنه الأصلي, وهي تحفظ أقواله وتتناقلها وترددها بلهجتها
الحميد وعلي بن زايديجد الباحث ازدواجية وتداخل في كثير من أقوال الحميد بن منصور وتلك التي تُنسب إلى الحكيم علي بن زايد, الذي يشتهر في مناطق شمال اليمن, بحيث يصعب أحياناً التمييز بين أشعار وأقوال كل منهما. وقد أشار الدكتور عبدالعزيز المقالح إلى هذا الخلط الواضح بين أحكامه وأحكام زميله علي بن زايد, وفي رأيه, يكاد الفرق بينهما يقتصر في كثير من الأحيان على تغيير صيغة الفعل "يقول" من المضارع إلى الماضي فهو عند علي بن زايد "يقول" وعند الحميد بن منصور "قال"([1]). وعلي بن زايد في الموروث الثقافي لمناطق شمال اليمن شخصية مماثلة لشخصية الحميد ابن منصور, والتشابه في كثير من الأقوال المنسوبة إليهما يرجع أساساً إلى التواصل الذي كان قائماً بين مناطق اليمن عبر الأزمنة المختلفة, ولا شك أن هذه الأقوال كانت تنقل مع تنقل الناس كالبضاعة الرائجة المطلوبة شعبياً من قبل المزارعين فيقبلون على سماعها وحفظها, فتُنسب هنا إلى حكيمهم وفيلسوفهم الحميد بن منصور وتُنسب هناك إلى حكيمهم وفيلسوفهم على بن زايد. والأرجح أن هذا الخلط يرجع إلى أخطاء الناقلين الذين يأخذون هذه الأقوال لمضامينها دون عناية بالتحقق من قائلها الحقيقي. وما لا يختلف عليه اثنان أن أشعار وأقوال الحميد, ومثله علي بن زايد وأبو عامر وغيرهم, قد أضيفت إليها الكثير من الأقوال والأشعار المنحولة التي أبدعتها قريحة عشرات المزارعين ممن يداهمهم الهاجس الشعري ويتغنون بما تجود به قريحتهم الشعرية وهم يحرثون الأرض خلف ثيرانهم التي تجر المحراث, والكثير من تلك الأقوال والأشعار قد نسبت إلى هؤلاء الحكماء في أزمان مختلفة ولا يعرف قائلها الحقيقي, وهذا يرجع إلى شهرة الحميد وبن زايد من جهة, ومن جهة أخرى لأن مبدعي هذه الأقوال لم يكونوا يبحثون عن شهرة, بل نظموا ما قالوا من أقوال على السجية وأخذت عنهم لجودتها ولتطابقها لحناً ومضموناً مع ما يُقال عن الحميد أو ابن زايد أو أبو عامر فأضيفت إلى ما تختزنه ذاكرة الشعب عن هؤلاء الحكماء لشهرتهم في هذه المنطقة أو تلك.والحقيقة أن أقوال الحميد بن منصور أكثر شهرة وأوسع انتشاراً في أرجاء كثيرة من اليمن ومحيطها, من أقوال علي بن زايد وأبو عامر وشَرْقة وغيرهم, حيث تنتشر أقوال الحميد في مناطق مأرب والبيضاء وكافة المناطق الجنوبية والشرقية مثل شبوة وحضرموت وأبين ويافع والضالع وردفان وفي أجزاء من تعز وإب وغيرها, بينما نلاحظ أن المناطق التي يتردد فيها ذكر ابن زايد تنحصر في "القسم الأوسط من اليمن بشكل خاص في سلاسل الجبال والقرى المحيطة بمدن صنعاء ,ذمار,ويريم"([2]) وفي أجزاء أخرى قريبة من هذا المحيط. وعن شهرة الحميد الواسعة يقول الباحث الروسي م.رودينوف " إن الحميد بن منصور أكثر شهرة في شمال اليمن من علي بن زايد في حضرموت, ولم يستطع أحد ممن تحدثوا إلينا أن يتلو من الذاكرة أشعار الأخير, ولم يكن حتى اسمه معروفاً للغالبية"([3]). ومثل هذا الجهل باسم ابن زايد يشمل تقريباً كل المناطق الشرقية والجنوبية التي لا يعرف الناس فيها غير الحميد وأقواله, ولا يُعرف عن علي بن زايد إلاَّ مما يُنشر عنه عبر وسائل الإعلام خلال العقود القليلة الماضية. وقد سألت العديد من كبار السن من مناطق يافع والبيضاء عما إذا كانوا قد سمعوا بعلي بن زايد أو يعرفون شيئاً من أقواله فكانت إجاباتهم بالنفي. وفي موضوع تحت عنوان "أغاني الفلاحين في محافظة لحج- المرتفعات الجبلية" كتب الباحث محسن أحمد لصور:" أن الأغاني الخاصة بالحراثة عادة ما تكون أبياتها الشعرية على لسان الحكيم اليماني الحميد بن منصور وهو الشخصية الفلاحية المشهورة في هذه المنطقة وليس علي بن زايد كما يقال"([4]).ورغم أن الحميد بن منصور أكثر شهرة وتتردد أقواله وما ينسب إليه في مناطق أكثر من تلك التي تنتشر فيها أقوال ابن زايد, إلاَّ أنه لم ينل ما يستحقه من دراسة أو اهتمام, ولم يبادر أحد من قبل إلى جمع أقواله في كتاب, على عكس علي بن زايد الذي حظي بدراسة من قبل الباحث الروسي أناتولي أغاريشيف الذي جمع أقواله أواخر الستينات من القرن الماضي وصدرت في كُتيب صغير في موسكو عام 1968م بعنوان "أحكام علي بن زايد" وفي تقديري أن هذا الكُتيب قد حقق لعلي بن زايد, خلال العقود القليلة الماضية, شهرة بين الكتاب والباحثين وفي أجهزة الإعلام فاقت شهرته الحقيقية في الواقع بين الفلاحين مقارنة بمكانة الحكيم الحميد بن منصور الذي تظل شهرته واسعة في صفوف المزارعين وتتردد أقواله على ألسنتهم في نطاق أوسع من البلاد.ومن الواضح أن الباحث الروسي أغاريشيف قد ضمن بعض أقوال الحميد بن منصور وغيره ونسبها في كتيبه لعلي بن زايد, حيث اعتمد في جمع تلك الأقوال على مثقفي المدن ممن لا دراية لهم بحقيقة هذه الأقوال. وهذا ما تنبه له د. عبدالعزيز المقالح وأشار إليه بقوله:" كان لا بد للمستشرق الروسي – وهو يجمع تراث علي بن زايد من شفاه بعض الفلاحين اليمنيين, ومدونات بعض المثقفين – من أن يقع في خطأ الجمع بين ما ينسب إليه وما ينسب إلى غيره من شعراء الأحكام, بل من الأغاني الشعبية أحياناً.. ولم يسلم من إيراد بعض الأحكام التي تؤكد من صيغتها أنها للحميد بن منصور, ومن هذا قوله:
لا حَول يا مالك الموت
ذي ما نِجي منك هارب
حُمَيْدْ قد جا المحَجَّهْ
والموت قد جا المقارب
ولعل اناطولي أغاريشيف- والكلام للمقالح- لم يسمع باسم الحميد بن منصور وإلاَّ لما أورد مثل هذه الأبيات له منسوبة إلى ابن زايد"([5]). وأقول إن من يطَّلع على تلك الأقوال, يجد أن عدداً غير قليل منها, مع شيء من التحوير والتغيير, هي ذات الأقوال وذات الحكايات التي تتداول عبر عقود وربما قرون باسم الحميد بن منصور في مناطق كثيرة, وهو ما يحتاج إلى التدقيق والتمحيص من قبل الباحثين والمهتمين. وحتى تلك الآراء التي تشير إلى أن علي بن زايد قد عاصر الحميد وارتبط معه بصداقة ودخل الاثنان في نقاش وجدال, لا نجد لها وجوداً في الأقوال المنسوبة للحميد في مناطق انتشاره الواسعة, والمصدر الوحيد الذي أشار إلى ذلك هو كُتيب أغاريشيف, ولو أسلمنا بصحة استنتاجاته لحق لنا القول أن الحميد بن منصور كان أقدم وجوداً من علي بن زايد بدليل أن الأخير يأتي على ذكر الحميد في أقواله أكثر من مرة, بينما لم يذكر الحميد قط علي بن زايد أو يجادله في أقواله. [1]- عبدالعزيز المقالح: شعر العامية في اليمن؛ دار العودة, بيروت, 1978م,ص395.[2]- أناتولي أغاريشيف"أحكام علي بن زايد"دار العودة, بيروت, 1986م, ص 13.[3]- م.رودينوف, عادات وتقاليد حضرموت الغربية, ص196.-[4] مجلة "الثقافة الجديدة" العدد(6) يونيو/يوليو1981م, ص80.-[5] عبدالعزيز المقالح: شعر العامية في اليمن, ص390-391.
نظرة في أقوالهالحميد بن منصور ليس بشاعرٍ وإنما ناظم أقوال وحكم ومواعظ بحس شعري, ويحق القول عنه أنه حكيم متفلسف أو فيلسوف حكيم ينتمي إلى الشعب الملتصق بالأرض, صانع الخيرات, غير المفرط بها. ولذلك جاءت أقواله المنظومة قصيرة وبلغة سهلة هي لغة الشعب, ودون مراعاة تامة لخصائص الشعر الشعبي, إلاَّ في الإيقاع الموسيقي الذي يفرضه الأداء الغنائي لهذه الأقوال التي تُؤدى كمواويل وأهازيج في الحقول حيث يصنع المزارعون الخيرات المادية الضرورية للعيش, وهو لذلك لم يهتم بالصنعة الفنية التي نجدها في قصائد الشعر الشعبي, وأقواله تختلف من حيث عدد الأبيات, فقد تتألف من بيت واحد فقط أو بيت ونصف أو بيتين أو عدة أبيات تزيد أو تقل , وتختلف أيضاً من حيث تقفية الأشطار, فقد يلتزم قافية للشطرين أو قافية للعجز فقط, وقد لا يلتزم بأي قافية أحياناً, وجميع أقواله على وزن ( مستفعلن فاعلاتن) وهو ما يتناغم مع استهلاله الذي يشغل شطراً كاملاً (قال الحميد بن منصور). وقد لاحظ البردوني أن الحكماء لا ينتهجون نهجاً فنياً معيناً فقد يصرعون البيت على قافيتين وأحياناً يقفون الأشطار الأخيرة ولا يقفُّون الأشطار الأولى على قاعدة الشعر الشعبي, وكتب يقول:"والسؤال لماذا انتهج هؤلاء الحكماء هذه الطريقة في فن الشعر الشعبي؟ لعلهم لم يكونوا يهتمون بالتطريب الشعري, وإنما كانوا يهتمون بتأطير الفكرة في موسيقى يتم لها التجاوب وان أنقصها التطريز, والسر في هذا أنهم شعروا عن فطرة لا عن ثقافة وعبّروا عن افكار تنقصها الفنية المتبعة في فن الشعر الشعبي لأنهم كانوا حكماء لا شعراء. وأن مادة إلهامهم هي الأرض لا أوراق الكتب. فكانت لأشعارهم روائح المزارع الحبلى وتجاوب الطبيعة في هزات قصب القمح وتناغم الرياح على أوراقها, فجاءت أشعارهم خضراء كأوراق الحياة, عفوية كانبساط الشمس على الحقول"([1]).تستهل أقوال الحميد جميعها دون استثناء بلازمة ضرورية تمثل الشطر الأول من البيت المنفرد هي (قال الحميد بن منصور) ثم يأتي ببقية القول أو الأقوال, وقد تتألف من بيتين أو ثلاثة أو أقل أو أكثر, وكأنه بمثل هذا الاستهلال يوثق لأقواله ويسهل لمن يحفظها أو يتناقلها معرفة صاحبها مهما تقادم الزمن, وهي طريقة متبعة من لدن الكثير من شعرائنا الشعبيين, ومثال ذلك (يقول يحيى عمر من كم..الخ) أو (الهاشمي قال هذه مسألة).ولغة الحميد هي اللهجة الدارجة أو اللغة اليومية التي يتكلم بها الناس في حياتهم العادية, في البيت وفي الحقل وعلى قارعة الطريق وهي لغة بسيطة, لا تكلف فيها, تهدف إلى إيصال أفكاره بأيسر الطرق. ويمكن التعرف على أقوال الحميد بلهجات مختلفة, ففي مناطق البيضاء وأجزاء من أبين وأطراف يافع تحل (ام) بدلاً عن (ال) التعريف, وهو ما يُعرف بطمطانية حمير, وقد جاء في الحديث الشريف " ليس من امْبِرِّ امْصِيامُ في امْسَفَرِ" يريد ليس من البر الصيام في السفر فإِنه أَبدل لام المعرفة ميماً. وفي معظم مناطق يافع يبدلون تاء المتكلم والمخاطب بالكاف (وا ذي قَتَلْكْ اِبْنْ عَمُّك, عَوَّرْكْ عَيْنُك بلبهام), كما تقلب كاف المخاطبة وتاء المخاطبة للمؤنث إلى شين(واجربتي رأس مالي عزَّيْشَنِيْ عَزُّشْ الله). وترد (ذي , أو دي) للمذكر والمؤنث والمفرد والمثنى والجمع بمعنى: الذي، التي, الذين, اللاتي, وتأتي(لا) بمعنى إلى أو إذا أو لو, كما يتم التخفيف بالاستغناء عن الهمزة كما في ( لثوار في الأثوار, وبِيْر في بئر.. الخ). ويمكن لنا القول أن الحكيم الحميد بن منصور قد نظم هذه الأقوال متوخياً تحقيق هدفين:الأول:الجانب الترفيهي بغية التسلية من عناء التعب و كسر الملل والرتابة التي تنتاب المزارعين أثناء العمل, حيث يتغنون بهذه الأقوال على شكل مواويل ومهاجل وأهازيج مصاحبة لعملهم فيكون لها أثرها في شحذ هممهم وتقوية عزائمهم وتحفيزهم لمواصلة أعمالهم دون فتور أو كسل. ولا شك أن الحميد قد صنف وألف هذه الأقوال وأنشدها بصوته الرخيم في غمار عمله وراء الثيران التي تجر المحراث في الحقول, ثم أخذها الناس عنه في حياته, وأضافوا إليها الكثير بعد رحيله. وبمرور الزمن أضحت تلك الأقوال أغاني المزارعين ومواويلهم في مراحل العمل الزراعي وفي الحياة العامة بشكل عام.الثاني: الهدف التربوي, الذي سعى إلى تحقيقه من خلال حكمه ونصائحه وتعاليمه التي تدل على نباهته وحكمته وغزارة ورجاحة عقله وإلمامه بتجارب الحياة ونظرته إلى مجرياتها ومتطلباتها ومشكلاتها وحلولها, وكثير منها أضحت في حُكم الأمثال الشعبية التي يستشهد بها الناس في كثير من شؤون حياتهم, ولها قوة لا تُنازع في التأثير والإقناع وفي تسهيل حل الخصومات والمنازعات بين الناس. وإذا ما ألقينا نظرة مباشرة على مضامين هذه الأقوال لوجدنا أنها تتمحور في الاتجاهات التالية:1- أقوال استهلالية, يترنم بها الفلاح في بداية يومه العملي في الأرض بأق, هي عبارة عن ابتهالات وأدعية يتجه بها إلى لله تعالى أو حمداً وشكراً له على نعمائه أو طلب مغفرة من خطأ أو إثم أو صلاة وتسليم على رسوله العربي الكريم.2- تدور معظم أقواله حول حب الأرض وتقديسها وعدم التفريط فيها بأي شكل من الأشكال, رهناً أو بيعاً. فقد يغفر الناس لمن يهمل زراعتها ويتركها (جِدَاساً) أي بدون زراعة, وقد لا يعيبون من يرهن أرضه عند الضرورة, لأنه قادر على استعادتها بعد حين. لكنهم لا يغفرون مطلقاً لمن يبيع أرضه مهما كانت الظروف ويصبون عليه جام غضبهم ويطلقون عليه اسم (البَيَّاع) وتبعاً لذلك تنحط مكانته في نظرهم, بل وتلاحقه اللعنات حياً وميتاً, كما في القول التالي:
قال الحميد ابن منصور
لُعِنْت وَا بَايِعْ الطِّيْن
لا ترهنه لا تبيعه
الرَّهن مثل العليله
والبيع مثل الذي مات
يشبه الحميد من يرهن أرضه بالعليل الذي يكابد من العلل والأسقام، أما من يقدم على بيعها فهو في حكم الميت الذي انقطع ذكره. والأرض الزراعية بمفهوم المزارعين هي "المال" وليس النقود أو الذهب, وهي مجال عملهم الأساسي ومصدر الرزق والعطاء الذي لا ينضب عبر الأزمان, يمدهم بالخيرات ويضمن لهم مقومات الحياة من مأكل ومشرب وملبس ومسكن ويحقق لهم العيش الكريم. وكان يقاس ثراء المرء ومكانته بمقدار ما يملك من أرض زراعية خصبة, كما كانت تنشب الفتن والحروب القبلية بسبب حفنة أرض أو شبر منها أو مجرى مياه أو رعي. والحميد,كأي فلاح يحب الأرض القريبة لأن البعيدة دونها جهد وسفر ومشاق في الذهاب والإياب والشراحة, وفي قوله (طُوافة الطِّين عمره) يشبه الحميد من يطوف أرضه ويتفقدها بمثل من يعتمر إلى بيت الله الحرام. وهو يقدس أيضاً العمل المنتج ويحض عليه, فمن لا يعمل لا يأكل( ما رزق يأتي لجالس). ويقدم الحميد خلاصة تجاربه الزراعية المتراكمة في حرث الأرض وتقليب تربتها وبذرها وسقيها وحصادها, ومعارفه الفلكية التي على أساسها تُحدّد المواسم الزراعية المرتبطة بسير النجوم في السماء واتجاهات هبوب الرياح وتحديد مواقيت بذار المحاصيل المختلفة وبالذات الذرة بأنواعها لأنها كانت الغلة الرئيسية التي يعتمد عليها الناس في طعامهم. والأرض هي العز والسؤدد والكنز الذي لا يفنى, وهي لا تخيب من أحبها وأخلص لها وأعطاها الجهد والعرق, بل تفتح له صدرها الرحب وتعطيه بسخاء مما تجود به من خير وفير.3- التعامل برفق وحب مع الحيوانات, وعلى وجه الخصوص الأثوار, التي كانت تمثل وسائل وأدوات العمل المنتج, ولا زالت في كثير من مناطق الأرياف, وهي بالنسبة للفلاح أشبه بآلات الحراثة الميكانيكية ومضخات المياه الحديثة, وكان الحميد يعتني بها عناية خاصة ويعطيها فرصة للاستراحة وجر الأنفاس في أطراف الطين ويقدم لها العلف, ولا يقسو عليها أو يضربها بالسياط وكان الصوت بالنسبة له هو عصا (مُوْهِرْ) المزارع (البتول). ويعترف أنه كان يخدمها كما في قوله(العبد يخدم لسيده, وأنا خَدَمت الجَوابر) والجوابر أو الجُبَّر هي الثيران التي تنهض بجر المحراث في الحقل, كما يقر أنه لولا الخشية من عتب الناس ولومهم لما تردد بمخاطبة الثور بأنه (أبوه وأبو عياله, أي أولاده), ويصف الثور أنه حصان القبيلي. وكان الحميد ملماً بأنواع الأبقار من حيث أصنافها وألوانها المختلفة وكان يفضل (الشرعبية) لجودتها المعروفة أو (القفرية) لأنها تكتفي بالقليل من الطعام. وبقدر حرصه على خزن الحبوب فأنه كان أكثر حرصاً على خزن أكبر كمية من أعلاف الحيوانات(الطُعْمْ أو القَرْط) في أوقات الرخاء والاحتفاظ بها لأوقات الشدة والجفاف حين ينعدم الرعي وتجف الأعشاب ولا تجد الحيوانات ما تأكله. 4- موقف الحميد من المرأة متناقض حسب مقتضيات الأحوال التي أوردها في أقواله. فهي هاجس البيت وعلى صلاحها يتوقف صلاح الأسرة (إذا صلح هاجس البيت تصلح جميع الهواجس, ولا عطُل هاجس البيت تعطل جميع الهواجس). وفي الحديث الشريف "الدنيا كلها متاع، وخير متاع الدنيا المرأة الصالحة". والمرأة الصالحة تحسن تدبير الشئون المنزلية ولا تسرف في الإنفاق, بل تدخر في أوقات الرخاء ما تظهره في أوقات الشدة ( خُذ لك مَرَهْ من قبيلة, تجوعك حين تشبع, وتخرجه بالمجاعة). وقد كان للحميد أسرة جمعها الحب والمشاركة في أمور الحياة وكانت له زوجات أحبهن وأحببنه وخلف منهن أولاداً وبنات. كما أبدى تعاطفاً مع بعض الصبايا الجميلات اللاتي أوقعهن الحظ السيئ في شراك أزواج أنذال.وهناك موقف آخر للحميد ضد المرأة بنموذجها السيئ, فهي في نظره خائنة لا يؤتمن جانبها ولا خير يرجى منها, بل أنها عادة ما تكون سبباً لكثير من الويلات والمصائب, فقد تشتت شمل الأسرة وتفرق بين الأخ وأخوته وبين الأب وأولاده, ويطلق الحميد على هذا الصنف من النساء (حُرمة الوَيْل) لما تجلبه من ويلات على زوجها وأهلها,ويوصي بطلاق (حُرمة الويل) قبل أن تنجب أولاداً. والأرجح أن موقف الحميد القاسي من بعض النساء قد جاء بعد هروب ابنته مع عشيقها وزواجها منه بدون رغبة والدها, فقسا بسببها على بنات جنسها (ما للنساء قط أمانه عيونهن بالخيانه), وحتى تلك الحكاية التي انتحلها بحارة "صُوْر" في عُمَان عن ابنته في البحر نجد أنها تتوافق في مضمونها وأبعادها مع حكاية ابنته ومع رؤيته وموقفه من المرأة بعد تلك الحادثة.5-النصائح والعبر والمواعظ التي لا غنى عنها للناس في حياتهم وعلاقاتهم الاجتماعية وفي حل منازعاتهم ومشاكلهم التي تظهر هنا وهناك, وهي تتعدد بتعدد اهتمامات الناس وتنوع واختلاف مجالات نشاطهم, وقد سكب فيها خلاصة تجاربه وحكمته في أقوال جرت مجرى الأمثال, فإذا شكا شخص من جارٍ مؤذٍ (فالصبر والله يزيله). وقبل أن يقدم الشاب على اختيار شريكة حياته فيجب أن يرتبط بأفضل القوم حسباً ونسباً ( لا تزقر إلاَّ بلصباح). وحين يتعرض قريبك لأذى أو عدوان من أجنبي فعليك بنصرته حتى ولو كنت على خصومة معه ( أنا عدو ابن عمي , وأنا عدو من تعداه). وهو يبغض التوحَّد,أي أن يظل المرء وحيداً بمفرده لا يخالط القوم ويعتبرها بحد ذاتها أكبر ضرراً (يا ذي شكيت المضرة,الوحدة أكبر مضرة). وفي رأيه لا يمكن للوحيد أن ينهض بأعباء الحياة التي كانت تتطلب جهداً جماعياً ( ما واحداً جاد وحده, ما جوده إلاَّ للثنين) ولذا فأنه يحث على التآلف والتعاون وتقوية عرى الصداقة الحقيقية, ويشترط في الصديق أن يكون ( مثل روحه) أو ما يمكن أن نسميه (شقيق الروح), لأن القرين بالمقارن يقتدي (إن صاحبي جِيْد أنَا جِيْد, وان صاحبي فسل ذلَّيت). وفي المعاملات بين الناس فأن من يخاصم الآخرين أو يلحق بهم الأذى فلا يمكن أن يتوقع منهم إلاّ من جنس عمله (من قابح الناس يقبح ولا قُبح لا يقول آح). وإذا كان المرء في رغد من العيش ويسر في الحال فعليه أن لا يغتر أو يتكبر فقد تتغير الأحوال وتتجهم الدنيا أمامه بعد ابتسامها. ويوصي الحميد بالصدق وصون اللسان والوفاء بالوعد وإكرام الضيف والتفكير جيداً بعواقب الأمور قبل الإقدام عليها, وبقدر ما يحض على قيم الشهامة والمروءة فأنه يذم الكَسَلْ والسرقة وإيذاء الجار والتعالي على القوم. وللحميد موقف واضح من الفتن والحروب وما تسببه من قتل ودمار وخراب وأحزان ودموع, ويصفها بأنها(كِسْب الأنذال).أما إذا فُرضت الحرب فيدعو الحميد إلى إعداد عدتها ومرادفة الصفوف لكسبها, والحذر والحيطة من غدر الخصم وكيده ولو أظهر الود (الخصم لا تأمن الخصم ولو ضحك لك بنابه). ونكتفي بهذه الأمثلة, ونترك للقارئ الكريم الإبحار في أقوال الحميد والاستمتاع بما فيها من عظات وعبر وحكم وأمثال أصبحت بمثابة قوانين عرفيه يستند إليها الفلاحون في أمورهم الزراعية والحياتية بشكل عام.حكاياته وقصصهتختزن الذاكرة الشعبية العديد من القصص والحكايات عن الحميد بن منصور, يتطابق بعضها مع ما يُنسب إليه من أقوال أو تكون تفسيراً لها, ولا يمكن القطع بصحة هذه الحكايات التي تروى عنه وهل هي حقيقية وصحيحة حدثت في زمن الحميد؟.. أم أن المخيلة الشعبية قد نسبتها إليه فيما بعد لتتلاءم مع أقواله التي شاعت في حياته وراجت أكثر بعد وفاته, وأضيفت إليها الكثير من الأقوال المنحولة ودبجت الحكايات التي قد تختلف بعض تفاصيلها بين منطقة وأخرى. ومن المفيد أن نورد بعض هذه الحكايات, ومنها:حكاية ابنته بدرة([2]):لعل أكثر الروايات تداولاً عن الحميد بن منصور هي تلك المرتبطة بهروب ابنته "بدرة" مع عشيقها وزواجها منه دون موافقة والدها. وحسب ما يروى فأن أسرة الحميد بن منصور المنتمية إلى بني هلال في "مرخة", شبوة حالياً, قد تنقلت وسكنت في كثير من المناطق اليمنية فيما بعد, ومنها منطقة تسمى "الهَجَرْ" هي الآن عبارة عن خربة تقع غربي المضبي عند أهل برمان أحد قبائل آل حميقان, ناحية الزاهر, محافظة البيضاء. ويروى أن الحميد قد لخص قصة هروب ابنته "بدرة" إلى قرية "عدينة"بقوله:
قال الحميد ابن منصور
بَدْرَهْ تَعَشَّتْ مَعَانَا
وأمْسَتْ على الشهر ساري
وصَبَّحَتْ في عدينه
وسبب هروبها, كما يروى, أنها كانت تحب ابن سلطان عدينة والذي حالت ظروف العداوة بين سلطنتي الهجر وعدينة إلى عدم تزويجها منه, مما اضطرها إلى الهرب ذات ليلة مع من تحب إلى "عدينة", وكان موقع اللقاء بينهما "حَنَكَة غَرْها" الواقعة بين السلطنتين, أما "عدينة" فتبعد حوالي (2 كم) شرق جنوب بلد "آل أمحيد", واستدعى هذا الهروب إلى المواجهة بين السلطنتين في مكان يسمى "المروي" ربما لكثرة ما سالت فيه من دماء. تأثر الحميد لهروب ابنته التي كان يحبها كثيراً, واعتبر ذلك الهروب خيانة, وقال وهو يحرث الطين على "الضمد" في اليوم التالي لهروبها:
قال الحميد ابن منصور
ما للنساء قط أمانه
لو ما يخُوْنَيْن سَامَيْن
وجوههن بالخيانه
مُـحَـلَّـقَـات الـدقـونـي
وترد عليه راعية بموال تقول فيه:
يا ذي مِنْ الحَيْد دَاعَيْت
رَعْ ذي تريده مَعَ ذاك
وأثناء ترديدها للمَوَّال كانت تؤشر بعصاها نحو قرية "عدينة", فأدرك الحميد أن الفضيحة قد شاعت وعُرفت, فقرر الخلاص من ابنته على فعلتها النكراء بقطع رأسها حتى تكون عبرة لغيرها. فدعا "عبده" وأشعره بالخطة, وبينما كان منهمكاً في سقاية الحقل سمع النساء يسخرن قائلات:
أهلي ولو يَدْرُوا أهلي
لو يدروا أهلي بما سَيْت
ما بَنَّهُمْ يِذْبَحُوني
يصبح على المذبح الذر
فأثرنه وهو المعروف بعزَّة مقامه بين الناس, فكان رده عليهن قائلاً:
يا ذي النساء ذي على البير
كُثْر الهُراء ترّكينه
لا بُدّ من رأس بَدْرَهْ
بأعيانكنِّهْ ترينه
وإلاَّ فدقن ابن منصور
تحت البقر يدقينه
قوال الحميد بن منصور ودراسة عن حياته
ثم خرج في مساء ذلك اليوم برفقة عبده واتجها نحو "عدينة" وما هي سوى سويعات حتى وصلا متنكرين يسألان على بيت السلطان ليبيتا فيه ليلتهما, وهو البيت نفسه الذي توجد فيه "بدرة" وعندما قُدِّم لهما العشاء نصح الحميد عبده أن لا يأكل كثيراً حتى يسهل عليه الفرار بعد أداء المهمة, لكن العبد لم يأخذ بالنصيحة وأكثر من الأكل, وفي منتصف الليل وحسب الخطة المرسومة قام الحميد, فيما كان العبد غارقاً في النوم, فأيقظه الحميد, وبالكاد قام العبد ثم تسللا إلى مخدع "بدرة" وكان الحميد يردد بصوت خافت " يا بدره انّشْ نَبَرْتي, ما عُذْر من رأس بدره, والاَّ حُلق دقن أبوها". ويقال إن العبد جَزّ رأسها والحميد في انتظاره ثم استلمه منه ووضعه في "المسب" وقرَّرا الفرار, لكن العبد لم يستطع الفرار بسبب إكثاره من الأكل مما أدى إلى قتله من قبل حراسة السلطان, فيما ولَّى الحميد فاراً وهو يحمل رأس بدرة ووصل إلى "الهجر" أشبه بالمنتصر. وهكذا تخلص من ابنته كما تروي الحكاية وجعلها عبرة لمن تسول لها نفسها بالفرار أو تلحق بأهلها العار والشنار. وبعد هذه الحادثة لم يرغب في البقاء في "الهجر" وكأنما أراد أن ينسى ما جرى, فقرر اللجوء إلى جبال الرياشي بلاد أهل عنس, حيث وجد الأمان في أحضانها, يقول:
قال الحميد ابن منصور
إن كنت شارد من الفقر
سر لك سهول ابن ناجي
حيث السبوله تسي كأس
والسَّيب سوّي غراره
وان كنت شارد من الخوف
سر لك جبال الرياشي
وان كنت شارد من الموت
ما حد من الموت ناجي
ويروى أنه توفي في "الجبوب" لكن ليس هناك ما يؤكد ذلك
حكاية ذبح العجل:لا نعرف من أسماء زوجاته سوى "مقبلة" التي ذكرها في مقولة له, مرتبطة بحكاية تُروى عنه حيث يقال أن الحميد قد وجد عجلاً صغيراً على قارعة الطريق, ولم يكن هناك من يراه فذبح العجل وأخفى اللحم في وعاء جلدي "مَسَبْ" كان معه, وذهب به إلى البيت وأخبر زوجته بما فعل وطلب منها أن تعد لحم العجل لوجبة غداء اليوم التالي وتأتيه به إلى الطين, وفيما كانت قادمة إليه وهي تحمل الغداء جاء صاحب العجل فجأة إلى الطين يسأل الحميد عما إذا كان قد رأى العجل الذي فقده منذ اليوم الأول ولم يجده بعد. وجد الحميد نفسه في موقف محرج, ولكي يتفادى فضيحة اكتشاف أمره أنشد مخاطباً امرأته يقول[3]:
وا مقبله بنت مقبل
ردِّي غدانا عشانا
وادِّي لنا زاد ثاني
ردِّي الرَّمق ودِّي الزوم
مولى العنيِّه على السوم
فطنت زوجته الذكية ما ألمح إليه في قوله, وعرفت أنه يقصد بـ(الرَّمق) المرق واللحم فعادت أدراجها إلى البيت لتترك اللحم هناك وعادت إليه ثانية حسب طلبه بالوجبة الشعبية المعروفة بـ"الزوم". لكن وقائع هذه الحكاية تتنافى مع ما عُرف عن الحميد من عفة نفس واستقامة وأنه كان يكسب رزقه بعرق جبينه ويذم السرقة ونهى عنها ووصفها بالعمل الوبيل واعتبرها فضيحة كبرى( السَّرق يا مهرة الويل ..الخ).حكايته مع زوجاته الثلاثيروى أنه كان للحميد بن منصور ثلاثزوجات وكان يسكن معهن في بيته المتواضع. وفي موسم من مواسم القحط والجفاف عمت المجاعة أنحاء المنطقة, وصعبت الحياة على الناس وتعسر عليهم الحصول على ما يسد رمقهم, وفي ذات ليلة خرج الحميد للبحث عن زاد له ولأسرته, وبعد عناء في البحث لدى بعض الموسرين بالكاد حصل على نزر يسير من الطعام. وفي فترة غيابه وتأخره بعض الشيء دارت الظنون في رؤوس زوجاته وأخذت كل واحدة منهن تتحدث عن سبب آخر لتأخره غير البحث عن طعام, وفيما كان عائداً سمع الحوار الدائر بينهن حول سبب تأخره, فوقف على مقربة من الباب كاتماً أنفاسه وأخذ ينصت لحديثهن.قالت الأولى: لاشك أنه ذهب ليسرق شيئاً من الطعام والحبوب, فلم يجد ضالته حتى الآن.وقالت الثانية: أنه كذب علينا ولم يذهب للبحث عن طعام بل ذهب إلى إحدى النساء, وقد رأيته يتحدث معها صباحاً قرب البئر وربما تواعدا على هذه الليلة.وقالت الثالثة: صدقتن, وسيحلف كذباً عند وصوله أنه لم يخرج إلاَّ لجلب الطعام.وحين سمع حديث زوجاته استغرب قولهن, ثم ولج الباب بحركة وصوت مسموع موحياً لزوجاته وصوله للتو, وكأنه لم يسمع شيئاً من حديثهن, ومرت الليلة وكأن شيئاً لم يكن. وفي منتصف اليوم التالي جاءت إليه إحدى زوجاته بطعام الغداء وما أن رآها تقترب من الطين الذي يحرثه على الضمد, حتى أخذ ينشد قوله:
قال الحميد ابن منصور
الفقر ضَيَّاع لَنْسَاب
أمسيت من فقر ليله
سارق وزاني وكذاب
وحين سمعته يشدو بهذا الموَّال استغربت قوله وأدركت أنه قد سمع خلسة حديثهن عنه مساء البارحة.الحميد يختبر أولادهيروى أن الحميد أراد أن يختبر أولاده الثلاثة ليعرف ماذا يفكر كل منهم, فسألهم واحداً واحداً عن أحسن وأفضل ما يتمنون في حياتهم, ووجه سؤاله إليهم بطريقة شطر بيت شعري عليهم إتمامه بنفس الوزن والقافية.فقال لهم: يا لذ ما كان وأحلى ما تقول اللسان.فقال الأول: دَحْن العُوَلْ بالمَحَاجِيْ عِنْد قَلْبْ الوِزَانْ.العُوَلْ تعني الرجال والمحاجي هي المتاريس, أي أنه يفضل تدافع الرجال لخوض غمار الحرب. فقال عنه أنه شرير ومحب للفتنة.وأجاب الثاني: لِبْس الشقاق الغوالي والبنات الحسان.الشقاق: صنف من الثياب الثمينة. فقال عنه أنه عاشق مهووسوأجاب الثالث: ضِمَّاد عُوج القناذر بالنّقُوع الحسانعُوج القناذر: الثيران ذات السنام المنحني. والنقُوع جمع مَنْقَعْ وهي الطين التي يسْتَنْقِعُ فيها الماء. فارتاح له وفضله على شقيقيه لأنه فضل الأرض وحرثها وزراعتها على ما سواها. الراعي وابنة الحميدومما يروى أنه كان لدى الحميد بتول يرعى الأغنام, فطمع بابنته بدرة وأخذ يراودها, فأخبرت أمها بذلك وبدورها قالت للحميد, وأثناء اجتماعهم للغداء دار بينهم الحديث التالي:قال الحميد: ما أحلى البرابر على البرفقالت البنت: قتل الولد قبل يغدرفقالت الأم: يأخُذ عصاته ويرحل.. ( وطُرد الراعي قبل أن يغدر).حكاية الحميد ..بحاراً.!!ما نعرفه جيداً عن الحميد بن منصور أنه ذلك الفلاح الحكيم الذي ارتبط بالأرض حرثاً وبذاراً وحصاداً, ولا غرابة أن تتنازع العديد من مناطق اليمن أنها مسقط رأسه, لكن وجه الغرابة أن نسمع ادعاء المسنين من بحارة (صُور), أحد الموانئ القديمة على ساحل عُمان الجنوبي, وبعض البحارة اليمنيين, على الجزء الشرقي من ساحل حضرموت, بأن الحميد بن منصور كان بحاراً, وأنه عاش في مكان ما على ساحل بلاد العرب الجنوبي. وهذا ما وقفت على تفاصيله في مقال بعنوان "الحميد بن منصور .. البحار وقضية الشعر المنحول" ورد في مجلة "الحكمة" (العدد 85, مارس1980م) للكاتب أبو جمال يروي فيه أنه فوجئ بأحد المسنين من بحارة حضرموت, ممن التقاهم في إحدى رحلاته يقول إن بحارة (صُور) يهزجون عند انتشال الباورة (المرساة) من قاع البحر بقول الحميد ولد منصور:
قال الحميد نا ولد منصور
يا الماطري أين كناني
سلمت من حيث نا خائف
وقتلت من حيث أماني
وسمعتها يوم قالت
البحر يرخي البناتي
وقصة هذه الأبيات كما يروى أن الحميد كان نوتياً, ولم يكن له من الأولاد غير ابنة واحدة, كان يتركها وحيدة في البيت, في كل رحلة تقوم بها السفينة التي يعمل بها, إلى الهند أو سواحل شرق أفريقيا. وازداد قلقه وخوفه عليها بعد أن كعبت وظهرت مفاتن جسدها.وفي رحلة طالت أزيد من رحلاته السابقة, بسبب توقف السفينة في ميناء "زنجبار" حيث قام بحارتها برتق أشرعتها وإصلاح ما فسد من ألواحها ثم دهنها بدهن الحوت, قرر الحميد ولد منصور أن يصطحب ابنته في كل رحلة من رحلاته القادمة, حتى تكون تحت سمعه وبصره, وفي الموضع الذي يثق به ولا يخشاه, فاقتُطعت لها فجوة تحت غرفة القيادة كانت تنزل بها في كل رحلة.بيد أن ما حدث بعد ذلك هو أن ناخوذة المركب شغف بحبها, فظل يلاحقها بنظراته الهائمة و كلما ظهرت على سطح المركب لقضاء حاجة لها في غياب والدها, وبكلمات ظاهرها اللطف والعطف البريء, وباطنها الرغبة الجامحة في جرها إلى شراك هواه, حتى رضخت المسكينة واستجابت له.وذات يوم نزل الحميد بن منصور مع بحارة السفينة, إلى سوق أحد موانئ شرق أفريقيا, ولم يبق في السفينة غير الناخوذة الذي ادَّعى أنه منهك لا يقوى على النزول معهم, وغير عدد قليل من البحارة, وبينما كان البحارة الذين بقوا في السفينة مشغولين بتفقد بعض الشحنات في (الخن) دخل الناخوذة على ابنة الحميد بن منصور. وهكذا حدث في البحر, وفي الموضع الذي كان الحميد بن منصور يأمنه ويطمئن إليه, وما كان يخشى حدوثه في البر. وفي المكان الذي يثق به ولا يخشاه. ولما عاد الحميد بن منصور رأى ثياب ابنته مبللة فارتاب في أمرها. فلما سألها عن سبب بلل ثيابها أجابته قائلة:البحر .. يا بوي .. يرخي البناتفأنشأ تلك الأبيات.. وارتباطاً بما سبق أشار د.نزار غانم([4]) إلى الحكيم الحميد بن منصور المتنازع على جنسيته بين الخليج واليمن والسودان, وأورد ما يتداول في بعض دول الخليج على لسانه كقوله: يا عبرتي من (مكلا) واسند على خور فكانوتجيك سبع الجزاير وأم الفيارين جداملي جيت هنيام ساعهطاب المزر للرباعهيا صبيان كودوا شراعهونوهم نو العزيمهوعلى الأرجح أن بحارة عمان والخليج العربي والسودان قد سمعوا بأقوال الحميد بن منصور والحكايات التي تروى عنه أثناء نزولهم وترددهم المستمر على عدن والمكلا فحفظوا ما راق لهم منها وأخذوا يرددونها, وهكذا ظلت تسافر معهم وتتنقل في ترحال دائم عبر البحار مع لحق بها من تحوير وتغيير وإضافات تتناسب مع حياة البحارة وهو ما نجد في النماذج التي أوردناها وكذا في حكاية ابنته مع البحار التي تتشابه في بعض أوجهها مع حكاية بدرة وزواجها وهروبها دون موافقة أبيها
أقوال الحميد ابن مصور
أولاً: أقوال استهلالية وأدعية دينية
(1) قال الحميد ابن منصور
بسم الله أوَّل كلامي
وما نطق من لساني
(2) قال الحميد ابن منصور
يا طالبين الله اليوم
جيت أطلب الله معاكم
من جيز طالب ومطلوب
من جَيْز: من ضمن. ومثل ذلك قوله:
قال الحميد ابن منصور
سرحت أنا طالب الله
من جَيْز ذِيْ يطلبونه
من جَيْز طالب ومطلوب
(3) قال الحميد ابن منصور
استغفر الله وأتُوب
من الخطأ والذنوبي
العبد مخطي ومُذْنِبْ
والعبد بيت الخطايا
وَيْش آنِجَازِيْك يا الله
إلاَّ بِقَوْلِةْ لك الحمد
والحمد لك وازَنْ الحَيْد
والطِّيْن كَايَلْ ترابه
(4) قال الحميد ابن منصور
مَنْ يَحْمَدْ الرَّبْ زَادَهْ
زَادَهْ مِنْ الخَيْر زَادَهْ
زَادَهْ مَزِيْد الجَرَادَهْ
ذِيْ لا بَدَهْ نَجْد زَادَهْ
(5) قال الحميد ابن منصور
منصور والناصر الله
منصور والناصر الله
(6) قال الحميد ابن منصور
تِحَمَّدِيْ وا لِسَانِيْ
مَا دَامِشْ اليوم خضراء
خضراء وَفِيْش اللَّيَانَهْ
(7) قال الحميد ابن منصور
الحمد لك حمد دايم
الحمد لك وا مِدَاوِلْ
بين الليالي ولَيَّامْ
(
قال الحميد ابن منصور
يا غافل اذكر محمد
واذكر سراج المدينه
سراجنا ليل تظلم
وليل تمسي غديره
(9) قال الحميد ابن منصور
يا ليل واذكر محمد
واذكُر علي والصحابه
واذكر سراج المدينه
سراجها يوم تظلم
تظلم وتمسي نويره
(10) قال الحميد ابن منصور
صلاه منّي تزوره
الهاشمي لا قصوره
ذكر النبي يجلي الهم
يجلي قلوب المحبين
ويش ابعد الهم منّي
الاَّ النبي لا ذكرته
محمداً عرفه المسك
(11) قال الحميد ابن منصور
طلبتك اليوم وا جِيْد
وا جِيْد قسَّام لرزاق
(12) قال الحميد ابن منصور
ياليل صلِّي وسلّم
على الحبيب المكرم
(13) قال الحميد ابن منصور
يا الله عسى بالعياده
والخير يأتي زياده
(14) قال الحميد ابن منصور
صلَّيت وا زِيْد صَلِّي
على الحبيب التهامي
ذي ما يصلي على أحمد
يا حسرته والنَّدامي
(15) قال الحميد ابن منصور
يوم الرضا يوم لفلاح
لا قَصْبَحْ البحر سَفَّاح
واصْبَحْ يلاطم بلَمْوَاج
(16) قال الحميد ابن منصور
يا الله على بابك اليوم
يا مُطلق اليوم لبواب
اطلق لنا قفل بابك
ومُقفللات القفولي
(17) قال الحميد ابن منصور
يوم الرضا يوم نُوري
يوم السحايب تدوري
(18 ) قال الحميد ابن منصور
وا مَنْ نَشَأتْ السَّحَابه
ظَلِّلْ علينا بِكُمَّكْ
وعَـالْـبَـقَـرْ بِـالْـعِـمَـامَـهْ
(19) قال الحميد ابن منصور
يا ليل هز البَرُودي
وهز فَوْج النَّشِيْرِهْ
نَشِيْرَةً من بلادي
تسوى عدن وألف وادي
وأبين وأرض الزيادي
(20) قال الحميد ابن منصور
أنَا عَوِزْ وأنت مُحْتَاج
وقاضي الحاجه الله
العَوَزُ بالفتح: العُدْمُ وسوءُ الحال, وعَوِزَ الرجلُ وأَعْوَزَ أَي افتقر. وهو هنا يخاطب رجل محتاج مثله جاء إليه لطلب حاجته فرد قضاء حاجتيهما إلى الله وهو قاضي الحاجات.
ثانياً: في حُبِّ الأرض والعمل المنتج
(21) قال الحميد ابن منصور
المال شيخ السلاطين
لا ينقصه رخص الاسعار
ولا تضره سكاكين
من كان عالمال صبَّار
ما يلتجي للدكاكين
المال لدى الحميد هي الأرض المعطاءة ويضعها في مرتبة أعلى من كل السلطنات, فهي لا تتعرض للكساد أو تقل قيمتها كبقية البضائع في الأسواق ولا تؤثر فيها الأمراض والأوبئة التي تجعل المواشي عرضة للذبح بالسكاكين, ومن يمتلك الأرض يأكل من خيراتها ولا يحتاج لأصحاب الدكاكين.
(22) قال الحميد ابن منصور
مِنْ حَايِطَكْ يا ريَاشِيْ
مِنْ حايطك با نذُوقه
عنب وفرسك ورمان
يذكر الحميد كنية صاحب قطعة الأرض(الحايط) المنسوب إلى (الرياشية) ويبالغ في ذكر ما فيه من مزروعات الفاكهة, ربما لجودة تلك الأرض واعتناء الفلاح بها.
(23) قال الحميد ابن منصور
العز يا من يبى العز
يبْتُل ويَأكل ثماره
يبتل: يعمل ويفلـح الأرض. والمقصـود أن عز المرء في العمل الذي يحصد ثماره بنفسه.
(24) قال الحميد ابن منصور
لا انته تبا العز كله
أكْسِبْ على نجل لَكْرَاش
وانته تبا نصف منه
كُنْ نقرش الطين نقراش
نجل لكراش: ثيران الح راثة. والم